النفق المظلم
بقلم ـ العنود سعيد
ربما يتساءل البعض ماذا تعني كلمة تشرد ؟
بالطبع الجميع سيذهب بذهنه إلى أن عدم امتلاك الفرد لمأوى أو وظيفة هو التشرد بعينه،لكن الأمر يتخطى كونه جانب جسدي فقط كما يظن الكثير بل هناك تشردًا من نوعًا آخر أنه التشرد النفسي الذي يُحدث الكثير من الضياع خاصةً أمام أطفالًا تحملوا مسؤولية الحياة مبكرًا.
سأدخل في صلب الموضوع دون مزيدًا من الفلسفة، في قوله تعالى "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطار فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا، وكيف تأخذونه، وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذنا منكم ميثاقًا غليظًا" وصف الميثاق بالغلظة في هذه الآية الكريمة، لقوته وعظمته، ومدى أهميته فى بناء الأسرة، والميثاق الغليظ هو العهد الذى أخذ للزوجة على زوجها عند عهد النكاح.
الجميع يعون أهمية دور الأسرة واعتبارها النواة الحقيقة للمجتمع ولا شك أن صلاح المجتمع واستقامته إنما يكون بالله سبحانه ثم بصلاح الأسرة وسلوك الأفراد وعليها يجب أن يدركوا أولئك الأزواج قبل الارتباط بميثاق الزوجية أن هناك أسرة ستنشأ من رابط الزوجية هذا.
مع مرور الوقت تبدأ الصراعات بين الزوجين فيقرران الانفصال قرار يتخذه أحد أو كلا الزوجين يقضي بفسخ عقد الزواج الذي يربطهما معاً، تتغير أدوار ومسؤوليات كل منهما في حياة الآخر ، ببساطة انتهى كل شيء !! ، لم يفكر أحد الطرفين فيما سيؤول إليه حال هؤلاء الأطفال الذين هم نتاج تلك العلاقة الزوجية ومدى تأثير هذا القرار على حياتهم في المستقبل، يبقى مصيرهم معلقًا بين أمرين لا ثالث لهما، إما البقاء مع الأب وزوجته التي لن تكون بديلة أبداً عن الأم لأنها ببساطة لن تتحمل خطيئة الأبوين اللذان لم يفكران بمصير أبناءهم قبل الانفصال ولم يدركوا تبعات ذلك القرار قبل الشروع فيه، ويبقى الخيار الآخر أقسى وأمر وهو البقاء مع الأم وزوجها الذي أيضًا لن يكونون هؤلاء الأبناء من أولوياته ، الكل يتقاذفون مسؤوليتهم وكأنهم أثقالًا جثمت على الصدور، لذلك كي تكون التربية إيجابية لا بد من أن يشترك الأم والأب في رعاية الأبناء وتحمل مسؤوليتهم.
فجاة تبدلت أحوالهم فأصبحوا مشردين بعد أن كانوا يعيشون تحت سقفًا واحد في أحضان يملأها الشعور بالدفىء والأمان.
الأبوين شقوا طريقهم نحو حياة جديدة مع شريك آخر وكأن أمر هؤلاء الأطفال لا يعنيهم شيء،ومن هنا بدأت رحلة التشرد النفسي والإحساس بالضياع واليتم لأولئك الصغار ،قد يسعف بعضهم الحظّ فيبقى هناك تواصل بين الأبوين بعد الانفصال لِتعويض ولو جزء بسيط من غيابهما لكن بالتأكيد لن يكون الأمر سهلًا في كل الأحوال .
الأطفال هم الأكثر تضرراً من إنهيار العلاقة الزوجية، حيث يُؤثر في بناء شخصياتهم و صحتهم النفسية والأجتماعية فقد شكلت تلك التجربة السيئة قلوبهم لِتصبح أكثر هشاشة وعرضه للإصابة بمشاكل نفسية منها الاكتئاب ومشاكل آخرى ناجمة عن القلق والإجهاد والتوتر والتي قد تحتاج إلى تدخّلاً وعلاجاً طبيّاً حتى لا تتفاقم وتؤدي لأضرار أكبر .
سيبقى ذلك الانفصال في حياة أولئك الأبرياء نفقًا مظلمًا يسير بهم ويدفعهم دفعًا نحو الهاوية، نحو طريق مجهول و شبحًا مخيفًا وعائقًا يمنعهم من الشعور بالأمان والعيش بشكل طبيعي كبقية أقرانهم.
أيها الآباء والأمهات ..
إن قرار الارتباط كان برغبتكم ولم يفرض عليكم لكن قبل الإقدام على قرار الانفصال تذكروا جيداً أن هناك ضحايا لهذا الانفصال ولم يعد بإمكانكم التفرد بهذا القرار لِوحدكم.
كونوا على قدر المسؤولية أوفياء لأبنائكم وأحتضنوهم بعيداً عن ذلك النفق المظلم.